محاولة "قواتية" للسطو على التحول الرقمي | إنشاء وزارة للذكاء الاصطناعي: تذاكٍ بلا تخطيط
يفتتح مجلس الوزراء جلسته اليوم بمناقشة مشروع قانون مقدم من وزير الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، كمال شحادة، ينص على إنشاء وزارة أصيلة للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وبحسب نص المشروع، الذي حصلت «الأخبار» على نسخة منه، فإن إقراره سيُحدث تغييرات جوهرية في توزيع الصلاحيات بين الوزارات، إذ سيجرد وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية من أحد أهم ملفاتها: التحوّل الرقمي والأمن السيبراني. وهو من أكثر الملفات حساسية على مستوى السيادة الرقمية والأمن القومي، كما يشكل بوابة للحصول على تمويلات دولية كبيرة، في طليعتها قرض من البنك الدولي بقيمة 150 مليون دولار.
هذا «التخبيص» ليس إلا نتيجة طبيعية لنظام يُفرّخ مكاتب وزارية لإرضاء توازنات الطوائف والأحزاب داخل مجلس الوزراء، من دون أي اعتبار لحاجة الدولة أو مصلحة الناس.
فمكتب وزارة الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لم يكن ليُستحدث لولا الحاجة إلى إرضاء وزير «القوات اللبنانية» كمال شحادة، الذي كان موعوداً بحقيبة الاتصالات، قبل أن تؤول إلى الوزير شارل الحاج المحسوب على رئيس الجمهورية جوزيف عون.
ولأن اهتمام «القوات» بملف التحوّل الرقمي معروف، كان متوقعاً أن يسعى الحزب ووزيره إلى سحب هذا الملف الحيوي من التنمية الإدارية، ونقله إلى الوزارة الوليدة، عبر «التذاكي وخلط المفاهيم»، كما في مشروع القانون المفترض مناقشته اليوم.
فرغم أن البيان الوزاري حدّد مهام وزارة الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في إطار تشجيع الابتكار، ودعم الشركات الناشئة، وجذب الاستثمارات التكنولوجية، يتجاوز مشروع شحادة هذا الإطار بشكل واضح.
فهو ينصّ على إنشاء وزارة متكاملة لا تقتصر على تلك المهام، بل تسعى إلى ضمّ مديرية للأمن السيبراني وحماية البيانات، تختص برصد التهديدات، وتنفيذ السياسات الوطنية للأمن السيبراني، وتأمين حماية للبيانات. كذلك يرد في الأسباب الموجبة للاقتراح، أن أحد الاهداف "إنشاء منصّة رقمية حكومية آمنة وموّحدة توفّر توفر وصول المواطنين اليها لاتمام الخدمات العامة". فيما هي أدوار منوطة بـ"التنمية الإدارية" وفق استراتيجية التحوّل الرقمي (2020 - 2030) التي أقرّتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2022، والاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني المقرّة عام 2019.
قفز فوق الاستراتيجيات والقوانين؟
في ما يتعلق بالأمن السيبراني، يُدرج المشروع إنشاء مديرية تابعة للوزارة الوليدة تُعنى بهذا الملف، متجاهلاً أن الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني الصادرة عام 2019 تنصّ بوضوح على إنشاء هيئة وطنية مستقلة تُعنى بالأمن السيبراني.
فكيف يمكن القفز فوق هذا التوجه وتحويل الملف إلى مجرّد مديرية داخل وزارة حديثة الولادة؟
تقنياً، يشير خبراء في «شبكة التحوّل والحوكمة الرقمية» إلى أن ما جاء في المشروع «ينطوي على خلط غير مدروس بين الأمن السيبراني وحماية البيانات.
فالأول يتعلق بحماية البنى التحتية الرقمية والأنظمة الحساسة، بينما حماية البيانات لها جوانب قانونية وتنظيمية أوسع من ذلك، وكان من الأفضل فصل المهمتين»
كذلك يُخالف المشروع مرسوم الأسناد الرسمية الإلكترونية (المواد 5 و6 و7) الذي يمنح الصلاحية الحصرية لكل وزارة بتنظيم تعاملاتها الإلكترونية داخلياً، وتحديد دقائقها التطبيقية، وتأمين بنيتها التحتية. فكيف يمكن لوزارة جديدة أن تتدخل في نطاق الصلاحيات التقنية والتنفيذية للوزارات الأخرى؟
وإضافة إلى ذلك، يصطدم المشروع مع صلاحيات «المجلس اللبناني للاعتماد» (COLIBAC)، ومع عدد من المراسيم التنظيمية التي تحدد صلاحيات مراكز المعلوماتية التابعة لوزارات العدل والمالية والتنمية الإدارية والاتصالات.
وغاب عن المشروع أي رسم دقيق للحدود الفاصلة بين صلاحيات الوزارة المزمع إنشاؤها وصلاحيات وزارات وهيئات قائمة (أبرزها التنمية الإدارية والاتصالات).
فعلى سبيل المثال، يندرج تنسيق ملف التحوّل الرقمي حالياً ضمن مهام «التنمية الإدارية» التي تتولى تنفيذ استراتيجية التحوّل الرقمي 2020 – 2030، فكيف يدرج الاقتراح هذه المهمة مجدداً ضمن صلاحيات وزارة جديدة؟
أما حماية البيانات، فتقع ضمن اختصاصات قانونية وتشغيلية موزعة بين عدة هيئات، أبرزها هيئة «أوجيرو»، وهيئة حماية البيانات الشخصية المنصوص عليها في قانون المعاملات الإلكترونية (81/2018)، الذي لم يُذكر في مشروع القانون سوى مرة واحدة وبشكل عام، رغم تضمّنه أحكاماً مفصلّة حول حماية البيانات، والتوقيع الرقمي، والمعاملات الإلكترونية. ويرى خبراء في الحوكمة الرقمية أن تجاهل هذه التفاصيل يثير تساؤلات جدية، ما لم يكن الهدف هو تجاوز القوانين الحالية لصالح وزارة جديدة قد تُمنح صلاحيات مطلقة. وبرأي الخبراء كان «يفترض أن يتضمن المقترح توضيحات أكثر، إلا إذا كان المطلوب إلغاء عدد كبير من القوانين والمراسيم المرتبطة بالرقمنة والبيانات».
كذلك غابت الإشارة إلى علاقة الوزارة الجديدة مع الهيئات التنظيمية مثل هيئة المعلوماتية والحريات الشخصية، والهيئة الناظمة للاتصالات، من دون توضيح طبيعة العلاقة بهذه المؤسسات أو آلية التنسيق معها في ما يخص شبكات الاتصالات، أمن البنى التحتية الرقمية، إدارة الطيف الترددي، وحوكمة المعلومات. وهو غياب يُنذر بفتح الباب أمام نزاعات مؤسساتية وتشابك في الصلاحيات قد يعطّل عمل المؤسسات بدل تطويره.
كل ذلك يجعل من المشروع محاولة لتأسيس هيئات إدارية جديدة تحمل مسميات عصرية، «لكن بمضمون فارغ من أي رؤية واضحة أو جدية حقيقية تعكس القدرة على دمج التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في مسار التحول الرقمي الوطني»، بحسب متخصصين في المجال.
ففي ظل غياب تحديد دقيق للصلاحيات التقنية التي يفترض أن تضطلع بها الوزارة، يكتفي المشروع بتكرار عبارات عامة وغير مترابطة وتوزيعها على مديريات متعددة، ما يفتح الباب أمام تضارب داخلي في الصلاحيات والوظائف ويُعمّق البلبلة الإدارية بدل تنظيمها.
إنجازات غير قابلة للقياس
الشمولية الفضفاضة في المهام والصلاحيات التي يمنحها المشروع للوزارة الجديدة لا تعكس رؤية متكاملة، بل تهدد بعرقلة التنسيق بين الوزارات القائمة، وتكرّس نهجاً لبنانياً مألوفاً في تفريخ الوزارات والقوانين المتشابكة من دون مراجعة الإطار القانوني والتنظيمي القائم.
علماً أن المشروع لا يقدّم قيمة مضافة واضحة، بل يساهم في تفريخ نصوص قانونية متضاربة مع تلك الموجودة، ما يعقّد تنفيذ خطط التحول الرقمي والتقدم التكنولوجي.
كما أنه يفتقر إلى أي آليات لقياس الأداء أو مراقبة النتائج، ويغيب عنه أي ذكر لوحدات رقابة داخلية أو مؤشرات لقياس الأثر العملي للخطط المقترحة. إذ يعتمد النص مصطلحات فضفاضة من قبيل «تعزيز الابتكار» و«تحقيق نقلة نوعية» و«رفع مستوى المعيشة»، وهي شعارات غير قابلة للقياس أو الترجمة الإجرائية لم تُربط بمؤشرات وأهداف محددة.
نسخ التجربة الإماراتية!
بحسب خبراء من «شبكة التحول والحوكمة الرقمية»، يعكس مشروع القانون محاولة نسخ غير مدروسة للتجربة الإماراتية في إنشاء وزارة للذكاء الاصطناعي، عبر تبنّي عبارات وأفكار مشابهة، من دون مراعاة للفروقات الجوهرية بين المنظومات التشريعية والتنفيذية في البلدين.
ففي حين استغرقت الإمارات ثلاث سنوات من العمل التحضيري لتحويل وزارة الدولة إلى وزارة أصيلة للذكاء الاصطناعي، وخصصت لها موارد ضخمة ومقومات مؤسساتية وتقنية هائلة، يأتي مشروع شحادة ليطرح إنشاء وزارة مشابهة في لبنان خلال شهرين فقط، ومن دون أي رؤية واقعية أو تمويل فعلي، وكأن المسألة تتعلق بمجرد استنساخ شكلي.
ندى أيوب -الاخبار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|